مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري 1832- 1847 للاستعمار الفرنسي

مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري 1832- 1847 للاستعمار الفرنسي

 

مقاومة الأمير عبد القادر بالغرب الجزائري

الوقائع والأحداث ( 1832-1847)

 

بعد احتلال مدينة الجزائر قامت القوات الفرنسية باحتلال ميناء المرسى الكبير في جانفي 1831 بعدها قرر باي الغرب الجزائري "حسن" تسليم الإيالة للمحتل الفرنسي ما جعل الغرب يعيش فترة فراغ سياسي.

هذا الفراغ السياسي أدى إلى ظهور شخصية تميزت بالقوة والحكمة استطاعت في مدة قصيرة أن تسيطر على الغرب الجزائري ويعيد إحياء الدولة الجزائرية ويدخل في مقاومة عنيفة ضد المستعمر الفرنسي مدة 15 سنة ألا وهي مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري

1-   المقاومة في الغرب الجزائري : 

توجهت أنظار أعيان الغرب الجزائري إلى محي الدين والد الأمير عبد القادر والذي قبل بقيادتهم ولم يقبل الإمارة  منذ 17 أفريل 1832، و كان أول هجوم قام به على سرية استطلاع فرنسية من مائة ضابط و جندي في منطقة و هران ملحقا بها بعض الخسائر . و في مطلع ماي من نفس السنة خاض محي الدين برفقة ابنه عبد القادر و بقية المجاهدين عددا من المعارك المجيدة ضد العدو هاجموا فيها على بعض المعسكرات و الحصون الفرنسية بمدينة وهران ، و ألحقوا به هزائم نكراء أجبرتهم على الانسحاب ، و كان أهم هذه المعارك :

- معركة خنق النطاح الأولى يوم 4 ماي 1832 :

- معركة خنق النطاح الثانية في 4 جوان 1832 :

أسند محي الدين في هذه المعركة الراية إلى ابنه عبد القادر الذي كان بطل المعركة ، حيث قسم جيشه إلى خمس فرق : فرقتين للقتال ، و فرقتين للدفاع ، و خامسة كمنت وراء العدو ، و فاجأته عند تقهقره إلى الوراء و أبادته عن آخره و استولت عن كل السلاح و الذخيرة .

- معركة برج رأس العين : في الجهة الغربية من وهران

 رغم الانتصارات التي حققها الجزائريون في غرب البلاد ، لكنهم كانوا على يقين بأن المعركة مازالت طويلة مع العدو من جهة ، و أن الاقليم محتاج إلى شخص ينظم إدارته من جهة أخرى ،و لهذا عرضت قبائل و أعيان الغرب للمرة الثانية على الشيخ محي الدين الامارة لكنه رفض وقام بترشيح ابنه قائلا " إن كان رأيكم و ثقتكم بولدي عبد القادر كرأيكم بي فأنا متنازل له عن هذه البيعة ، فتشاوروا فيما بينكم ، و إذا عقدتم العزم فموعدنا في سهل غريس تحت شجرة الدردارة صباح الاثنين 27 نوفمبر 1832 ".

  تمت بالفعل مبايعة الأمير عبد القادر في نفس المكان و في نفس الموعد، بايعوه بالإمارة و لقبوه ب " ناصر الدين " و كانت هذه البيعة الأولى وسميت بالبيعة الخاصة، ثم و قعت بيعة ثانية ( البيعة العامة ) في قصر الإمارة بمعسكر في 4 فيفري 1833 .

2- مراحل مقاومة الأمير عبد القادر: 

ويمكننا تقسيم مراحل مقاومة الأمير إلى ثلاثة مراحل:  

أ-  مرحلة الانطلاق والقوة (1832- 1837): 

بدأ الأمير عبد القادر هجوماته العسكرية ضد الجيش الفرنسي ابتداء من يوم 4 فيفري 1833 ، و في حقيقة الأمر أن الأمير عبد القادر كان يحارب على جبهتين في آن واحد فقد واج القوات الفرنسية من جهة، ومن جهة كان يقاتل القبائل المتمردة في محاولة لتوحيد الصفوف.

و في هذا الصدد يقول شارل هنري تشرشل " لقد آمن عبد القادر إيمانا عميقا بضرورة الاتحاد المطلق بين مواطنيه ، لكي يحقق لهم استقلالهم المشترك ، لقد قرر أن يقارع بسيفه الذين يشكون أو يحاولون أن يقاوموا سلطته ."
قام الأمير بعدة أعمال يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

- اتخاذ معسكر عاصمة له.
- تشكيل حكومة في فيفري 1833، و تعيين القضاة ، و تنصيب الولاة في مختلف أنحاء الإمارة ، كما شكل مجلسا للشورى من 11 عالما، علما أنه كان يدقق في اختيار خلفائه و أعوانه ، فكان يتحرى فيهم الكفاءة و القوة و التقوى . و بمرور الوقت أنشأ الأمير كذلك الدواوين و الإدارات المركزية .
- عمل الأمير على توحيد القبائل حول مبدأ الجهاد و تحت سلطته، واعتبر المتعاونين مع الفرنسيين مرتدين عن الإسلام .
- مقاطعة المحتلين و محاصرة مراكزهم في وهران و مستغانم ، و حملهم على الخروج من معاقلهم لقتال بالداخل .

- الاستيلاء على ميناء أرزيو و استخدامه في توريد السلاح و الاتصال بالعالم الخارجي .
- توسيع نفوذ الأمير ليشمل كل الغرب الجزائري ماعدا وهران و مستغانم و أرزيو.

 - توسع الأمير في إقليم التيطري وضم كل من مليانة والمدية سنة 1835، ثم بسكرة.

- يكوين جيش نظامي وطني وفي

* توقيع معاهدة دي ميشال 26 فيفري 1834 :


تمكن الأمير عبد القادر في المرحلة الأولى من مقاومته من مواجهة الجيش الفرنسي و إحباره على التمسك و الاكتفاء بالبقاء في مدن : مستعانم ، أرزيو و وهران، فرض حصار اقتصادي على هذه المدن الثلاثة، ما جعل دي ميشال طلب توقيع معاهدة مع الأمير .

بنود المعاهدة: 

- وقف إطلاق النار بين الطرف الفرنسي وقوات الأمير عبد القادر

- أن دين وعادات المسلمين ستكون دائما محل الاحترام حماية.

- إطلاق سراح المساجين بين الطرفين.

- حرية التبادل بين الطرفين ( السوق الحرة).

- ضرورة إعادة الفارين من الطرفين ( سواء من الجزائريين أو الفرنسيين ).

- حرية تنقل الأوربيين داخل الجزائر يكون بموافقة الأمير عبد القادر.

- استغل الأمير الهدنة لتوسيع نفوذه، فتوغل في إقليم التيطري فاستولى على مليانة في أفريل 1835م وعلى المدية في الشهر التالي وتوسع شرقا فأخذ مدينة بسكرة .

- استغل الهدنة لتأسيس جيش نظامي صغير من المشاة والفرسان والمدفعية إلى جانب قوات القبائل يجندها عند الحاجة.


أدى توسع الأمير وتزايد نشاطه إلى قلق السلطات الفرنسية التي قامت بعزل الجنرال دي ميشال عن قيادة وهران سنة 1835م وتعيين الجنرال تريزيل بدلا عنه، فنقض المعاهدة بإقدامه على توفير الحماية لقبائل الزمالة والدوائر المتمردة على الأمير ما أدى إلى استئناف المعارك من جديد، فهاجم تريزيل الأمير في المقطع فانهزم شر هزيمة الأمر الذي أدى بسلطات الفرنسية إلى عزله من منصبه، كما قاد الجنرال كلوزيل قوات كبيرة نحو الغرب الجزائري في محاولة للإطاحة بالأمير لكنه فشل في عدة معارك منها معركة التافنة، وبعد ذلك تدعمت القوات الفرنسية بقوات جديدة تحت قيادة الجنرال بيجو الذي استطاع هزيمة الأمير في معركة وادي زقاق قرب تلمسان سنة 1836م، بقيت المعارك بين الطرفين إلى غاية 1837م أين حاولت السلطات الفرنسية ربط اتصالات لتوقيع معاهدة صلح من أجل التفرغ لمقاومة أحمد باي في الشرق الجزائري وقد رضي الأمير بهذه المعاهدة من أجل إعادة تنظيم صفوفه وتقوية دولته وقد انتهت هذه الاتصالات بين بيجو والأمير عبد القادر بتوقيع معاهدة سميت بـــ "معاهدة التافنة" في 30 ماي 1837م والتي نصت على:



- اعتراف الأمير بسلطة فرنسا على مدينة الجزائر ووهران ومستغانم وأرزيو.

- الاعتراف بسيادة الأمير على إقليمي ووهران والتيطري وكذا على القسم الذي لم يدخل تحت نفوذ فرنسا في الناحية الشرقية.

- يدفع الأمير للفرنسيين مقادير محددة من الحبوب ورؤوس الأبقار في مدينة وهران.

- يمكن للأمير أن يشتري ما يحتاجه من الأسلحة والذخائر كالبارود والكبريت من فرنسا.

- تطبيق مبدأ حرية التجارة بين الطرفين.

- ارجاع تلمسان تحت سلطة الأمير .

- تعيين ممثلين للطرفين لرعاية مصالحهما.

ب-  مرحلة تنظيم الدولة ( 1837-1839) ( الهدوء المؤقت ) :

استغل الأمير عبد القادر معاهدة التافنة و عاد لإصلاح حال بلاده و ترميم ما أحدثته المعارك بالحصون والقلاع و تنظيم شؤون البلاد ، و كذا لتعزيز قواته العسكرية و تنظيم دولته من خلال الإصلاحات الإدارية و التنظيمات العسكرية الآتية:
- تشكيل مجلس وزاري مصغر يضم رئيس الوزراء ، نائب الرئيس ، وزير الخارجية، وزير الخزينة الخاصة و وزير الأوقاف ...و اتخذت هذه الوزارة من مدينة معسكر عاصمة لها.
- التقسيم الإداري للبلاد إلى ثماني مقاطعات ( ولايات) و كل ولاية يديرها خليفة ، و قسم الولاية إلى عدة دوائر و وضع على رأس كل دائرة قائدا يدعى برتبة آغا و تضم الدائرة عددا من القبائل يحكمها قائد ،و يتبع القائد مسؤول إداري يحمل لقب شيخ.
- تنظيم الميزانية وفق مبدأ الزكاة و فرض ضرائب إضافية لتغطية نفقات الجهاد وتدعيم مدارس التعليم…الخ.

- تدعيم القوة العسكرية بإقامة ورشات للأسلحة و الذخيرة وبناء الحصون على مشارف الصحراء حتى يزيد من فاعلية جيشه .
- تصميم علم وطني وشعار رسمي للدولة.
- ربط علاقات دبلوماسية مع بعض الدول

ج- مرحلة الضعف والاستسلام (1839-1847):

بادر المارشال فالي إلى خرق معاهدة التافنة بعبور قواته الأراضي التابعة للأمير ، فتوالت النكسات خاصة بعد أن انتهج الفرنسيون أسلوب الأرض المحروقة ، كما هي مفهومة من عبارة الحاكم العام الماريشال بيجو: " لن تحرثوا الأرض، و إذا حرثتموها فلن تزرعوها ،وإذا زرعتموها فلن تحصدوها ."
فلجأ الفرنسيون إلى الوحشية في هجومهم على المدنيين العزل فقتلوا النساء و الأطفال و الشيوخ ، و حرقوا القرى والمدن التي تساند الأمير.
و في هذه المرحلة بدأت الكفة ترجح لصالح العدو بعد استيلائه على عاصمة الأمير تاقدامت 1841، ثم سقوط الزمالة عاصمة الأمير المتنقلة سنة 1843 و على إثر ذلك اتجه الأمير إلى المغرب في أكتوبر عام 1843 الذي ناصره في أول الأمر ثم اضطر إلى التخلي عنه على إثر قصف الأسطول الفرنسي لمدينة( طنجة والصويرة )، و تحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان المغربي إلى طرد الأمير عبد القادر، بل و يتعهد للفرنسيين بالقبض عليه. الأمر الذي دفعه إلى العودة إلى الجزائر في سبتمبر 1845 محاولا تنظيم المقاومة من جديد .

وقد اضطر سنة 1847 للتراجع ناحية المغرب وواجه الجيش المغربي في معركة 15 ديسمبر 1847 وانتصر فيها، ولكن بعد فقدان الكثير من الحلفاء قرر الاستسلام في 27 ديسمبر 1847، ولم يستسلم الأمير إلا بعد أن اشترط على الجيش الفرنسي إعطاءه عهد الأمان لجميع رفاقه وجنوده و السماح لهم بالإلتحاق بقبائلهم، أما هو فطلب السماح له بالهجرة إلى الإسكندرية بمصر أو عكا بفلسطين، و إذا لم تقبل فرنسا بهذين الشرطين فإنه الجهاد حتى الموت.

لكن فرنسا نقضت العهد وسجنته في مدينة بو إلى غاية 1852 أين قام نابليون الثالث بإطلاق سراحه فاتجه نحو دمشق ومكث هناك وتوفي سنة 1883 ودفن هناك وفي جويلية 1966 بعد الاستقلال نقلت رفاته إلى الجزائر ودفن بمقبرة العالية بمدينة الجزائر العاصمة.

قائمة المراجع: 

1- محمد بن الأمير عبد القادر، تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر، ج01، الإسكندرية، 1903

2-   شارل هنري تشرشل، حياة الأمير عبد القادر، تر: أبو القاسم سعد الله، الدار التونسية للنشر، تونس، 1947.

3-     يحي بوعزيز، ثورات الجزائر في القرنيين التاسع عشر والعشرين -ثورات القرن التاسع عشر- ، دار البصائر، الجزائر، 2009.

4-     بشير بلاح، تاريخ الجزائر المعاصر (1830- 1989)، ج01، دار المعرفة، الجزائر ، 2006.

تعليقات