المؤرخون الفرنسيون وتاريخ الثورة الجزائرية:
بقلم: الدكتور مولود عويمر
يمكن أن نقسم طبقات المؤرخين الجامعيين الفرنسيين المختصين في تاريخ الثورة الجزائرية إلى 3 أجيال.
الجيل الأول:
عاش أحداث الثورة في الجزائر وعلى رأسهم
1- شارل روبير آجرون (1923-2008) Charles-Robert Ageron :
الذي درّس التاريخ في ثانوية الجزائر عدة سنوات تزامنت مع ذروة الثورة الجزائرية. التحق أجرون بجامعة تور بفرنسا بعد أن تحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون حول: "الجزائريون المسلمون فرنسا 1871-1919" تحت إشراف المؤرخ الشهير شارل أندري جوليان. لقد أشرف أجرون على العديد من الرسائل الجامعية وأسس مدرسة فرنسية في البحث التاريخي المتصل بالجزائر المعاصرة. وألف حول تاريخ الجزائر أكثر من عشرين كتابا ومائة وثلاثين بحثا ومقالا.
وتفرغ الدكتور أجرون تماما منذ عام 1992 لدراسة الوثائق المتعلقة بالثورة الجزائرية المحفوظة في مراكز الأرشيف الفرنسية، فكتب على ضوئها بحوثا أكاديمية في أشهر المجلات التاريخية، التي سنتطرق إليها لاحقا.
2- كسافيي ياكونو (1912-1990) Xavier Yacono :
مؤرخ آخر معروف في مجال تاريخ الجزائر المعاصر. ولد في مدينة الجزائر في عام 1912. تخصص في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للغرب الجزائري منذ بداية مشواره العلمي في إطار أطروحاته الجامعية وكذلك خلال تدريسه في جامعة الجزائر. كما ألف كتابا حول سياسة الجنرال شارل ديغول تجاه الثورة الجزائرية. ونشر دراسة كشف فيها عدد الشهداء الجزائريين والخسائر الفرنسية خلالها.
3- الأستاذ روني غاليسو (1934) René Gallissot :
درّس في جامعة الجزائر في فترة السبعينيات. وهو يعمل حاليا أستاذا بجامعة باريس 8. له عدة كتب منها: المغرب العربي-الجزائر: الطبقات والأمة، الجزائر: الالتزامات الاجتماعية والمسألة الوطنية، الجمهورية الفرنسية والأهالي...وغيرها من البحوث المنشورة في الدوريات المعروفة خاصة مجلة "الحركة الاجتماعية".
4- جاك فاليت (1929-2021) Jacques Valette :
ولد في الجزائر وعاش فيها إلى غاية الاستقلال ثم انتقل إلى فرنسا لتدريس التاريخ الاستعماري في جامعة تور ثم في جامعة بواتييه.
ألف فاليت عدة كتب وبحوث حول الثورة الجزائرية، من زاوية تختلف عن المؤرخين السابقين الذين لهم توجهات يسارية، بينما فاليت ينتمي إلى التيار اليميني. له عدة مؤلفات منها: حرب الجزائر: دور الجنرال سالون، حرب الجزائر: دور المصاليين، فرنسا وإفريقيا...الخ.
الجيل الثاني:
إن جل المؤرخين المنتمين إلى الجيل الثاني ولدوا في فرنسا باستثناء بنيامين ستورا
1-بنيامين ستورا Benjamin Stora :
المولود في قسنطينة في 2 ديسمبر 1950. وقد بدأ مساره العلمي بدراسة حياة مصالي الحاج في رسالته التي نال بها دكتوراه الدرجة الثالثة، ثم اختار دور الهجرة في الحركة الوطنية في فرنسا كموضوع لرسالة دكتوراه الدولة التي أنجزها في جامعة باريس 12 بإشراف الأستاذ أجرون.
ويعد ستورا اليوم من أغزر الباحثين الفرنسيين في مجال التاريخ بشكل عام وتاريخ الجزائر بشكل أخص، ولهذا السبب أقتصر هنا على ذكر بعض مؤلفاته المتعلقة بموضوعنا، وهي: تاريخ حرب الجزائر، المجندون في الجزائر، مخيالات الحرب: الجزائر-الفيتنام، فرنسا الولايات المتحدة الأمريكية، الحقد والنسيان: ذاكرة حرب الجزائر، وغير ذلك من كتب وبحوث ومقالات وحصص وثائقية.
2- جلبير منيي (1942-2017) Gilbert Meynier :
درّس في جامعة قسنطينة بعد الاستقلال، وألف العديد من الكتب التي عالجت تاريخ الجزائر. ومن أبرزها: التاريخ الداخلي لجبهة التحرير الوطني، الجزائر المعاصرة، جبهة التحرير الوطني: وثائق وتاريخ (بالاشتراك مع محمد حربي).
كما نشر دراسات معمقة ومركزة على وثائق نادرة وطرح مقاربات جديدة، وأذكر في هذا السياق بحثه النفيس حول القادة التسعة التاريخيين للثورة الجزائرية من خلال مذكرات عبد الله بن طوبال المخطوطة.
3- غوي بيرفيي (1948) Guy Pervillé:
اكتشفه الجزائريون من خلال كتابه المعروف: "الطلبة الجزائريون في الجامعة الفرنسية"، والذي كان في الأصل رسالة جامعية أعدها لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة باريس تحت إشراف الأستاذ أجرون.
ودرّس برفيي في العديد من الجامعات الفرنسية (ليموج، نيس،بوردو) مستقرا في الأخير في تولوز مستخلفا المؤرخ كسافيي ياكونو المتوفي في عام 1990 .
لقد ألف برفيي عدة كتب ومعظمها حول الثورة الجزائرية، أذكر منها: اتفاقيات إيفيان، فرنسا في الجزائر، حرب الجزائر: تاريخ وذاكرات، أطلس حرب الجزائر،من أجل تأريخ حرب الجزائر.
كما نشر بحوث في العديد من المجلات (العلاقات الدولية، التاريخ، المؤرخون والجغرافيون، القرن العشرون...الخ). وقد اهتم كثيرا في بداية مشواره العلمي بدراسة تاريخ النُخبة الجزائرية التي كتب عنها مجموعة بحوث ومقالات.
4- جون-شارل جوفري (1949) Jean-Charles Jauffret :
الأستاذ بجامعة مونبلييه واكس أون-بروفانس على نشر كتاب "الثورة الجزائرية من خلال الوثائق" بداية من عام 1990.
ويضم هذا المشروع الكبير الذي تبنته مصلحة تاريخ الجيش البري الفرنسي بفانسان، مختارات من الوثائق التي احتفظت بها في 5 ألاف علبة خاصة بالثورة التحريرية.
كما أشرف على نشر يوميات الجنود الفرنسيين الذين عملوا في الجزائر. وهي وثائق مهمة جدا لما تتضمنه من معلومات نادرة وخطيرة عن حياتهم العسكرية وانطباعاتهم عن الجزائريين ومجريات الثورة في الأرياف بالخصوص.
الجيل الثالث:
يمثله المؤرخون الذين ولدوا بعد عام 1968، وتتلمذوا على الجيل الثاني، وأذكر هنا بشكل سريع مثالين، وهما:
1- سيلفي تينو (1969) Sylvie Thénault:
اشتغلت تينو حول القضاء الإسلامي خلال الثورة التحريرية، وأنجزت حوله رسالة دكتوراه. وهي تعمل حاليا أستاذة في جامعة السوربون، ونشرت عدة بحوث وكتب حول ممارسة العنف "العادي" في الجزائر. كما تدير حاليا واحدة من أشهر المجلات التاريخية في العالم، وهي مجلة القرن العشرين.
2- رفائيل برونش (1972) Raphaëlle Branche:
أما برونش فإنها ناقشت رسالة دكتوراه حول ممارسة التعذيب في الجزائر خلال الثورة التحريرية. وهي تدرّس اليوم في جامعة روون. أصدرت مجموعة مقالات وكتب منها: الاغتصاب خلال حرب الجزائر، كمين بالسترو (الأخضرية)....
وإذا تعمقنا في قراءة هذه المؤلفات خاصة التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة، وجدناها تهتم بالقضايا الأساسية التالية:
-تاريخ جبهة التحرير الوطني
-المحطات الكبرى للثورة الجزائرية
-قمع الشرطة الفرنسية للمظاهرات السلمية للجزائريين في شوارع باريس يوم 17 أكتوبر 1961.
-التعذيب الذي مارسه الجيش وأعوان الأمن على المعتقلين الجزائريين في السجون والمعتقلات المختلفة عبر التراب الجزائري.
- التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر ومازالت تأثيراتها الإشعاعية قائمة تشكل خطرا على السكان والبيئة
-مكانة الحركى في تاريخ فرنسا المعاصر والبحث عن حقوقهم المدنية الكاملة.
- اعترافات العديد من الجنود الفرنسيين بأخطائهم أو جرائمهم التي ارتكبوها في الجزائر أو شاهدوها فلم ينهوا عنها، وما ترتب عن ذلك من أزمات نفسية ومرضية رافقتهم طوال حياتهم بسبب الشعور بالذنب تجاه الضحايا الأبرياء (...).
ولا شك أن مجلات أكاديمية متخصصة في التاريخ تصدرها الجامعات الفرنسية والجمعيات العلمية، تنشر بدورها دراسات ومقالات حول الثورة الجزائرية من زوايا مختلفة، وفي مناسبات محددة، وهي تحتاج إلى من يصنّفها ويفهرسها ويحللها وينقدها ليستفيد منها الباحثون والطلبة الجزائريون (...).
وبغض النظر عن وجهات النظر المختلفة التي عبّر عنها هؤلاء المؤرخون الجامعيون في أعمالهم المتعددة بالتحيز أو الموضوعية، فإن هذه الثورة لم تكشف بعد عن كل أسرارها، وستبقى منبع إلهام لا ينضب للباحثين في حقل العلوم الاجتماعية يستمدون منها القضايا والأحداث الجديرة بالبحث، وينهلون منها القيم للاقتداء والتبليغ للأجيال الحاضرة والقادمة من الضفتين.
المصدر:
مولود عويمر. الثورة الجزائرية في الدراسات المعاصرة. شركة الأصالة للنشر، الجزائر، 2017، بتصرف ، ص 51 وما بعدها.
أكتب تعليقك إذا كان لديك تساؤل حول المووضع أو اقتراحات لمواضيع جديدة