أزمات حركة الانتصار الحريات الديمقراطية
مرت حركة الانتصار بقيادة مصالي الحاج بعد الحرب العالمية الثانية بعدة ازمات أثرت في مسيرتها ، وهذه الأزمات هي أربع ازمات يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
1- الأزمة البربرية:
تعود جذور المشكلة البربرية إلى سنة 1946، حيث برز بشكل واضح نفوذ العناصر اليسـارية المنحدرة مـن أصـول قبائليـة داخـل الحركـة، واسـتطاعت هـذه العناصـر السـيطرة علـى اللجنـة المركزيـة وعلـى خلايا الحزب بفرنسا، ومن ابرز هذه العناصر واعلي بناي وعمر ولد حمودة، وبشكل خاص رشـيد علـي يحي الذي تمكن بدعم من واعلي بناي من أن يصبح عضوا باللجنة المركزية- الذي تربطه به علاقة قرابة- في نوفمبر 1948 ، ثم رئيسا لتحرير جريدة "النجم" مستغلا أعمدتها للترويج لأفكاره اللائكية وبادر اليساريون إلى إنشاء حركة شعبية للبربرية بعد سيطرتهم المطلقة على فدرالية الحزب في فرنسا، واقر أعضاء الفدرالية بأغلبية 28 صوتا من جملة 32 استخدام القوة ضـد اللجنـة المركزيـة، ورفـض أي فكرة لاعتبـار الجزائر عربية إسلامية، وعارضوا فكرة جمع التبرعات لمساعدة فلسطين بالرغم من قرارات قيادة الحزب.
وكان من انعكاسات هذه الأزمة إبعاد الحسـين آيـت احمـد مـن رئاسـة المنظمـة الخاصـة ، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن القضاء على الأزمة البربرية تولت الدور الأساسي فيها عناصر قبائلية من أمثـال راجـف بلقاسـم، كـريم بلقاسـم، مصـطفاوي شـوقي ،و سعيدي صادق، ضمن إستراتيجية مدروسة من قيادة الحزب.
2- أزمة محمد الأمين دباغين:
3- أزمة المنظمة الخاصة :
4- الصراع بين المصاليين والمركزيين :
انعقد في الفترة مابين 04-06 افريل 1953 في مقـر الحـزب بشـارع شـارتر سـابقا، وفي غيـاب مصالي الحاج الذي كان في منفاه ب نيور بفرنسا، استولى الجناح اليميني فعليا على هياكل الحزب ،وسحبت اللجنة المركزية اقتراح الرئيس حول الأمين العام الجديد حتى جويلية 1953، حيث عرض مصالي الحاج الاختيار بـين ثـلاث شخصـيات لمنصـب الأمـين العـام وهـم احمـد مزغنـة، بـن يوسـف بـن خـدة ، و حسين لحول، على أن يختار الفائز منهم مجموعة عمل تناسبه، و انسحب حسين لحول حتى يبقى منسجما مع قرار استقالته، وبعد جولتين من التصويت فاز بن خدة بمنصب الأمين العام، واختار للعمل معه السادة حسين لحول، عبد الرحمان كيـوان، السـيد علـي عبـد الحميـد، وفروخـي، وهـذا يعـني في الحقيقة انقلابا على مصالي الحاج، لان بن خدة أقصى العناصر المقربـة مـن مصـالي، وعلـى رأسـهم احمـد مزغنة ومولاي مرباح وأحمد بوده كما أن لجنة الترشيحات كانت قد أقصت قبل ذلك السـادة مبـارك فيلالي،عيسى عبداللي، ومحفوظي الذين تبنى ترشيحهم شخصيا.
وباختصار فان جناح مصالي أصبح يمثل أقلية صغيرة داخل الحركة، وحتى أنصار المنظمة الخاصة لم يكن لهم إلا تمثيل ضعيف في اللجنة المركزية، أما السيطرة الفعلية فكانت للجناح اليميني الذي تولاه لحول وكيوان والسيد علي عبد الحميد، وكـانوا يهدفون إلى العمل القانوني والتنافس على المناصب السياسية عن طريق المشاركة في الانتخابات، و كذا التخلص من العناصر اليسارية التي كانت تسعى إلى مباشرة العمل العسكري.
وللخروج من هذا المأزق، طلب مصالي الحاج من اللجنة المركزية-متجاوزا بذلك المكتب السياسـي والأمانة العامة- سلطة مطلقـة لتقويم ما سماه بالاعوجاج، لكـن هذه الأخيرة قررت في شهر سبتمبر 1953 رفض السلطة المطلقة ،رغم أن الأمين العام قدم اقتراحا بعقد مؤتمر جديد لتنظيم صفوف الحزب في أكتوبر 1953، وهو الاقتراح الذي رفضه مصالي، وعندما زاره حسين لحول في منفاه بـ" نيور" لتدارس المسالة، رفض مصالي أن يستقبله.
وابتداءا من 27 ديسمبر 1953 انتقل الصراع بـين المركـزيين والمصـاليين إلى القاعـدة، واسـتطاع مصالي الحاج تجنيد مختلف قسمات فدرالية الحزب في فرنسا إلى جانبه، وأعلن عن تأسيس لجنة "الإنقاذ العام" داعيا إلى التخلص من "الباشاوات" وتطهير الحزب
مـن المنحـرفين عـن الـنهج الثـوري، وبـالرغم مـن محاولات الوفود التي تعاقبت على زيارة مصالي في منفاه، إلا أن هذا الأخير كان رافضا تماما
لفكرة العمل مع اللجنة المركزية.
ورغم أن اللجنة المركزية قد قررت في 28 مارس 1954 منح سلطة مطلقة لرئيس الحزب لتنظيم مؤتمر جديد، إلا أنهم رفضوا حضور فعالياته لما انعقد ب هورنو ببلجيكا فيما بين 14-16 جويلية 1954، وقبل ذلك قام مصالي بتعيين لجنة مؤقتة لتسيير الحزب مشكلة من مزغنة، مولاي مرباح ،فيلالي، عبدلي، ولعجال، وبناءا على تعليماته قامت اللجنة-متجاوزة صلاحياتها كلجنة مؤقتـة- بإبعاد عناصر اللجنة المركزية من الحزب، ولمـا انعقـد المـؤتمر في غيـاب المركـزيين، تم إقصـاء مناضـلي اللجنـة المركزية والثوريين من كل أجهزة الحزب، واقر إنشاء "مجلس وطـني للثـورة" كبـديل للجنـة المركزيـة ومكتـب سياسي يضمان فقط العناصر الموالية لمصالي، كما طالب المؤتمرون باسترجاع الأموال المخبأة عند أعضاء اللجنة المركزية، وردت اللجنة المركزية بعقد مـؤتمر اسـتثنائي فيمـا بـين 14-16 أوت 1954 في العاصـمة ،واتخذوا القرارات التالية:
- التنديد بالمؤتمر الانفصالي المنعقد ببلجيكا.
- تنحية مصالي الحاج ومولاي مرباح واحمد مزغنة من كل المسؤوليات في الحزب.
مصالي، فان اللجنة المركزية هـي التي تخلت عن المنظمة الخاصة، وان أعضائها- وبشكل خاص عبد الرحمان كيوان- عملاء لعميد مدينة الجزائر جاك شوفاليي.
وفي المقابل كان المركزيين متضايقين من انفراد مصالي الحاج بالقيادة، وان نهجه الثوري قد يقود إلى مجزرة شبيهة بمجزرة 08 ماي 1945، وشنوا حملة واسعة ضد ما أسموه عبادة الشخصية ،خصوصا أن مصالي كان رافضا لمبدأ الحوار معهم، وكان يتصرف وفق منطق الأب المؤسس الذي لا تناقش قراراته.
وفي الواقع، أن غياب مصالي الحاج عن الساحة الوطنية بفعل عوامل النفي أو السجن ،إضافة إلى الدور السلبي الذي لعبه بعض المقربين منه وعلى رأسهم مولاي مرباح، هـي عوامـل أدت إلى تغليطـه وعزلـه، وقـد وصـلت الخلافـات بـين الطـرفين إلى حـد الاعتـداءات الجسـدية المتبادلـة علـى بعـض المناضـلين أمثال بوضـياف، بيطاط، ومزغنة، والحقيقة أن بوضياف-ابرز قياديي الجناح الثوري- قد ساهم في ترجيح كفة المركزيين على المصاليين في فدرالية الحزب في فرنسا، وهو ما جعل مصالي يضع الثوريين والمركزيين في سلة واحدة، وطبعا كانت المخابرات الفرنسية على اطـلاع تـام بحالـة الصـراع داخـل الحـزب ،خصوصا العقيد شيون رئيس المكتب الثاني، وجاك شوفاليي عمدة العاصمة.
وبعدما فشلت محاولات مكتب القاهرة بزعامة محمد خيضر وبعض أنصار العمل الثوري في التقريب بين الطرفين، قرر الجناح الأخير إعادة إحياء المنظمة الخاصة استعدادا للعمل المسلح.
أكتب تعليقك إذا كان لديك تساؤل حول المووضع أو اقتراحات لمواضيع جديدة